الاثنين، 29 ديسمبر 2008
المبحث الثانى التكوين الشكلى للسيناريو والمبحث الثالث الانتقالات ووسائط الربط
يبدأ تكوين السيناريو بالتحديد الدقيق لفكرته الرئيسية، التي يتم تطويرها خلال عدة مراحل وفقاً لطبيعة، أو نوع الفيلم، تسجيلي، أو يغلب عليه الطابع الذاتي والجمالي، أو الروائي. وبينما يكون التركيز في السيناريو التسجيلي موجهاً أساساً، إلى الترتيب المنطقي لسرد مفردات مجموعة حقائق، أو مفردات مادة عملية، فإن السيناريو ذو الصبغة الذاتية أو الجمالية يركز أساساً على تكوين الصورة، وعلاقة الصور ببعضها ببعض، ثم تفاعلها مع عنصر الصوت. أما في السيناريو الروائي، فإن التركيز يوجه في المقام الأول إلى الحدث، أو الموقف الرئيسي والمواقف المحتملة، حتى يصل في النهاية إلى خاتمة مقنعة. ويمر تطوير الفكرة الرئيسية لسيناريو ما، عادة، بمراحل ثلاث هي:
* ملخص أو إطار الفكرة الرئيسية Syhopsis .
* المعالجة السينمائية Treatment
* السيناريو (الشكل السينمائي ) Script
وعند تطبيق هذه المراحل، على السيناريو الروائي، فإن المراحل الثلاث تتم كآلاتي:
1 - كتابة ملخص الفكرة الرئيسية:
ينبغي لملخص الفكرة الرئيسية للسيناريو الروائي، أن يحدد بوضوح الموقف الرئيسي، الذي سيتولد منه، أو يبنى عليه تسلسل
أحداث الفيلم، ثم تطوره في خط متصل إلي ذورة الأحداث، ثم إلى الختام.
ولضمان تحقيق ذلك، فيسُتحسن دائماً أن يُكتب الملخص في ثلاثة أقسام، هي:
أ - الموقف Situation
وفي هذا القسم يتم تأسيس الخطوط العريضة لمشكلة، أو قضية ما، أو وضع معين، أي تحديد الموقف الرئيسي، الذي يحتم انطلاق الأحداث منه، أو يفجَّر عنصر الحركة، التي ستمثل قوة الدفع للبناء السينمائي ككل، مع تحديد الشخصية أو الشخصيات الرئيسية فقط، التي تتأثر بالموقف مباشرة، أو تؤثر فيه.
ب - التطوير (النمو) Development
أي تطوير الموقف الرئيسي، من خلال التركيز على الأحداث المهمة، التي تنبع منه أو تترتب عليه. ويشترط في تسلسل هذه الأحداث أن تبدو منطقية، أو محتملة الحدوث، من حيث ارتباطها بالموقف الرئيسي أولاً؛ ثم ببعضها ثانياً، بمعنى أن كل واحدة منها تأتى نتيجة لما يسبقها، ثم تقود بالاحتمال أو الضرورة لما يليها، أو تجمع بين كونها نتيجة منطقية لما يسبقها، ثم تقوده في الوقت نفسه إلى الحدث التالي. وأخيراً، فإن هذا التسلسل المنطقي للأحداث لابد أن يصل إلى ذروة رئيسية، أو قمة رئيسية لتصاعد هذه الأحداث، بحيث تمهد مباشرة إلى ختام السّياق الروائي.
جـ - الختام (الحل) Resolution
ويقصد به الختام المنطقي للموقف الرئيسي، الذي تم تأسيسه في بداية الملخص، وكما يبرره تطور الأحداث، التي قادت إلى الذروة.
قد ينتهي الختام إلى نهاية محدودة (سعيدة أو مأساوية)، أو تكون نهاية "مفتوحة" بمعنى أن ينتهي السيناريو بوضع احتمالين، أو أكثر، للقيمة المعروضة، أو يثير في داخل المشاهد تساؤلاً جدلياً عن الموقف ككل، أو ليجعل من النهاية نقطة انطلاق، نحو إثارة قضية عامة.
2 - المعالجة : Treatment
وهي عبارة عن سرد موسع لملخص الفكرة الرئيسية. وفي هذه المرحلة فإن السرد يضيف إلى الأحداث الرئيسية، التي وردت
في الملخص أحداثاً تكميلية أو فرعية، لتعميق الخط الأصلي للأحداث، وجعل تسلسه منطقياً. ومن الناحية الأخرى، فإن المعالجة تضيف ـ من ثم ـ الشخصيات الثانوية، التي تخدم علاقاتها بالأحداث وبالشخصيات الرئيسية.
وعموماً، فإن المعالجة تتضمن كل العناصر، التي من شأنها التأثير في تطور الأحداث وتبريرها، وتعمل على توازن بناء الموضوع ككل .
وتكتب المعالجة دون حوار، بل يُكتفي بكتابة مضمونه العام كلما لزم الأمر، كما قد تُكتب بعض الجمل الحوارية المحدودة في حالة الضرورة، كأن يكون ذلك لتوضيح نقطة ما، أو لتفسير صفة إحدى الشخصيات.
ومن الناحية الأخرى، فإن المعالجة يمكنها أن تتضمن بعض الأوصاف والعبارات الأدبية، كنوع من الإيجاز أو التوضيح، ذلك أن مرحلة كتابتها لا تعني أنها تُكتب بلغة سينمائية كاملة.
3 - السيناريو : Script
وأخيراً تحوّل المعالجة إلى شكل سيناريو، مع كتابته بلغة سينمائية خالصة، أي كتابته في هيئة مشاهد أو لقطات، تقول بالصورة والصوت ما يمكن رؤيته أو سمعه فقط. فالسيناريو هنا يعنى بالطبع، الشكل السينمائي المبدئي، الذي سيقوم المخرج بتجسيده ليصبح فيلم المستقبل. ويأخذ السيناريو منذ كتابته أشكالا مختلفة، ترجع إلى الأسلوب، الذي يختاره كاتبه. واختلاف الشكل هنا قد يرجع، من ناحية، إلى شكل العلاقة بين الصورة والصوت، ومن ناحية أخرى، إلى مدى تفصيل السيناريو وإعداده للتنفيذ، وذلك كما يلي:
أ - شكل العلاقة بين الصورة والصوت:
قد يأخذ السيناريو أحد شكلين رئيسيين، فيما يختص بعلاقة الصورة والصوت، فهو إما أن يكتب بطريقة الشكل المتوازي"Parallel Form" أو يكتب بطريقة الشكل المتقاطع " Cross Form " كالآتي :
(1) الشكل المتوازى:
كتابة السيناريو في شكل متوازي يعنى تقسيم صفحة السيناريو عمودياً إلى قسمين، يخصص الجانب الأيمن منها لكتابة تفاصيل الصورة، ويخصص الجانب الأيسر لكتابة مكونات عنصر الصوت، من حوار ومؤثرات صوتية وإشارات عامة لألوان الموسيقى المطلوبة.
وهذا الشكل في كتابة السيناريو (وهو الشكل الشائع في مصر)، يقصد به محاكاة شريط الفيلم النهائي فيما يتعلق بتوازي الصورة والصوت.
إلاّ أن هذا التشابه، الذي يبدو منطقياً للوهلة الأولى، ليس إلا تشابهاً شكلياً أو نظرياً أكثر من كونه تشابهاً واقعياً . وذلك لأنه بينما تعمل حاستي البصر والسمع في امتزاج كامل أثناء مشاهدة الفيلم السينمائي، ويكون الإحساس بتأليف الصورة والصوت إحساساً موحداً، فإن قراءة السيناريو المتوازي لا تعطى تخيلاً صادقاً لهذا التآلف، لأن القراءة والكتابة تتم بالانتقال المستمر ما بين عنصري الصورة والصوت كل على حدة، الأمر الذي يختلف عن واقع امتزاج العنصرين، ووجوب الإحساس بتآلفهما.
ولكن هذا العيب للشكل المتوازي، يقابله مميزات عملية أخرى، قد تكون هي الدافع الرئيسي وراء استخدامه، وهي تتركز في إمكانية حصر العنصر الصوتي أثناء تنفيذ الفيلم، ويسهل ـ تبعاً لذلك ـ إعداد الممثليين لحفظ الحوار، كما يمكن تحديد أجزاء الحوار، التي سيتم تركيبها بطريقة الدوبلاج، هذا إضافة إلى إمكان تحديد المؤثرات الصوتية، التي يلزم إضافتها أثناء عمل مونتاج الفيلم.
(2) الشكل المتقاطع:
أما في حالة استخدام أسلوب الشكل المتقاطع، فإن كتابة عنصري الصورة والصوت يتم في تقاطع متسلسل دون تقسيم الصفحة. وعلى ذلك فإن تفاصيل الصورة تكتب بعرض الصفحة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، بينما يكتب العنصر الصوتي المصاحب للصورة في الثلث الأوسط فقط من الصفحة. هذا ويُشار خلال كتابة العنصر الصوتي إلى الصورة السريعة، التي تحدث ملازمة لقول جملة حوارية: مثلاً كتابتها بين قوسين خلال الحوار بهدف تحقيق أكبر قدر من التداخل، بين عنصري الصورة والصوت. وتتركز الميزة الرئيسية لهذا الأسلوب في توفير إحساس أكثر صدقاً، بتأليف عنصري الصورة والصوت، بخلاف ما يحدث في حالة الشكل المتوازي، كما
أنها قد تعطى الكاتب سيطرة أكبر على كتابة مادته، حيث يكتب بإحساس الامتزاج الكامل بين الصورة والصوت، لكن هذه الميزة الرئيسية للكتابة بأسلوب الشكل المتقاطع، يقابلها ـ بالطبع ـ افتقاد الميزات الخاصة بالشكل المتوازي السابق ذكرها.
ب - كتابة السيناريو وإعداده للتنفيذ:
قد يكتفي السيناريست بكتابة السيناريو، في هيئة مشاهد عامة، دون محاولة تقسيمها إلى لقطات، ويترك هذا الإجراء لمخرج الفيلم، ويطلق على هذا الأسلوب من الكتابة: سيناريو المشهد العام" Marter-scenescript ". وكتابة السيناريو بهذا الأسلوب قد يكون مرجعه إلى أي من الأسباب الآتية :
(1)
أن تكون كفاءة كاتب السيناريو محدودة بهذا الشكل من الكتابة.
(2)
أن تطالب جهة الإنتاج أو المخرج من كاتب السيناريو إلا يتعدى هذا الشكل من الكتابة.
(3)
أن يختار كاتب السيناريو لنفسه عدم تجاوز هذا الشكل، فلا يُكتب السيناريو في شكل لقطات، لتوقعه أو علمه مسبقاً بأن المخرج لن يأخذ بها، وأنه سوف يعيد تقطيع المشهد إلى لقطات، من صنعه هو وفقاً لإحساسه.
أما إذا أتيح لكاتب السيناريو أو طُلب منه أن يكتب السيناريو في شكل لقطات، فإنه في هذه الحالة ينتقل إلى مرحلة متقدمة، تُصبح أقرب إلى ما سيتم تنفيذه عند تصوير الفيلم، ويطلق على السيناريو المقسم إلى لقطات "سيناريو التنفيذ". وعلى هذا فإن بدايات ونهايات مشاهد
السيناريو، قد تأخذ في اتصالها ببعضها أحد شكلين:
فإما أن ننتقل بعد نهاية كل مشهد إلى صفحة جديدة، مهما كانت مساحة المشهد، وذلك لنبدأ المشهد الجديد على صفحة جديدة، أو أن ترد بداية المشهد الجديد على الصفحة نفسها، بعد نهاية المشهد السابق، مما قد يعطى إحساساً أصدق باتصال المشاهد. وتتميز الطريقة الأولى في ذلك على الطريقة الثانية، باعتبار أن كتابة المشهد الجديد على صفحة جديدة، يسهَّل من عملية تفريغ السيناريو وإعداده للتنفيذ، فيُصبح من السهل تجميع المشاهد، التي تحدث في موقع تصوير واحد، وحصرها معاً للتنفيذ
المبحث الثالث الانتقالات ووسائط الربط
يُعدّ الانتقال من مشهد إلى آخر، أو من وحدة زمنية أو درامية إلى أخرى، من أهم عناصر اللغة السينمائية، التي تتحكم في وصل أحداث الفيلم، بما يحقق لها كل من الارتباط المنطقي والتأثير الجمالي. فالانتقالات في الفيلم السينمائي، يمكن تشبيهها بما يحدث في الكتابة الأدبية، من حيث الانتقال من فقرة إلى أخرى، ومن فصل إلى آخر، ومن باب إلى آخر. فكما أن مدى الدقة في الانتقال من فقرة إلى أخرى، ومن فصل إلى آخر في السياق الأدبي، يمكن أن يؤثر على مدى استيعاب القارئ للموضوع، كذلك فإن بناء الفيلم السينمائي ككل، يمكن أن يتأثر إلى حد كبير بمدى الدقة في تصميم الانتقالات، وكيفية استخدامها، بين مشاهده ووحداته الدرامية.
وفي السينما، فإن الانتقال المستخدم بين مشهدين أو وحدتين له وجهان: وجه يتعلق بشكل الوسيلة المستخدمة في الانتقال، والآخر يتعلق بفكرته، أو تكوينه الجمالي الدرامي.
1 - شكل وسيلة الانتقال:
المقصود بشكل وسيلة الانتقال، هو الشكل البصري البحت، الذي يمكن أن يوجد في أي فيلم، مثل: المزج والظهور التدريجي والإظلام (الاختفاء) التدريجي والقطع، فهذه تعد بمثابة الوسائل الرئيسية المستخدمة كأشكال للانتقال. وعلى الرغم من وجود أشكال إضافية أخرى،
كالمسح والقلب، إلا أنها تُعد وسائل محدودة الاستخدام إلى حد كبير.
أ - المزج والإظلام والظهور التدريجي :
عند استخدام وسيلة المزج كشكل للانتقال، فإنها تعطى انطباعاً يمكن تشبيهه - بالموازاة مع لغة الكتابة ـ بالانتقال من فقرة كتابية إلى أخرى، أما من وجهة النظر السينمائية فيُفترض في الانتقال عن طريق المزج، أن يتضمن مرور فترة زمنية بين مشهدين، كما أنه في أغلب الأحوال يعني، أيضاً، الانتقال من مكان إلى آخر جديد.
أما الانتقال عن طريق توظيف وسيلتي الإظلام التدريجي، ثم الظهور التدريجي، معاً على التوالي، فإن هذا الشكل من الانتقال ينظر إليه - بالموازاة مع لغة الكتابة - على أنه يعطى انطباعاً أقرب للانتقال من فصل إلى آخر، أومن باب أو قسم إلى آخر، في سياق الكتابة. ومن وجهة النظر السينمائيـة، يُنظر إلى هذا الشكل على أنه يُشير إلى مرور فترة زمنية لكنها أطول - بشكل ملحوظ - من تلك، التي يشير إليها المزج. إضافة إلى ذلك، فإنه يقترن أيضاً بنوع من التغير المهم في سياق الأحداث، أو يعطى انطباعاً أقرب إلى وقفة محسوسة في السياق، ثم إنّ الانتقال غالبا ما يتضمن - كما في حالة المزج ـ الانتقال من مكان، إلى مكان آخر جديد.
وتسمى وسائل الانتقال، بطريقة المزج بالظهور التدريجي والإظلام التدريجي، (وما قد يضاف إليهم، مثل المسح والقلب) بوسائل الانتقال المعملية، لأن تحقيقها يتم بواسطة المعمل أو بوسائل كيميائية. وهي بهذا ينظر إليها كفصيلة قائمة بذاتها للتفرقة بينهما وبين وسيلة القطع والانتقال، التي يتم تحقيقها في غرفة المونتاج، خلال عمل مونتاج الفيلم.
ب - القطع:
يمثل شكل الانتقال عن طريق القطع وسيلة أكثر استخداما في السينما الحديثة، في الوقت الذي يتم فيه التقليل إلى حد كبير من وسيلتي المزج والإظلام والظهور المزدوج، ولعل ذلك مرجعه في السينما المعاصرة إلى سببين رئيسيين، هما :
(1)
إن استخدام أشكال المزج والإظلام والظهور التدريجي، التي كان يتم استخدامها كثيراً وبصفة أساسية في السينما القديمة، تبدو كفواصل محسوسة في السياق، أو أنها تبدو كوسائل انتقال تعلن عن نفسها، وتلفت نظر المشاهد إليها، نظراً لما تأخذه من أشكال واضحة، وما تستغرقه من زمن محسوس يبدأ مع بداية ظهور وسيلة الانتقال. أما القطع، الذي يتم كشيء لحظي خاطف، فهو وسيلة غير محسوسة في حد ذاتها من قِبل المشاهد، مما يجعل الارتباط بين طرفي الانتقال (نهاية وبداية مشهدين) أكثر تماسكاً.
(2)
إن الانتقال عن طريق القطع - ومع طبيعة السرعة غير المحسوسة - يتيح فرصاً أكثر لتوظيف التداعيات بين طرفي الانتقال، سواء من حيث مضمون أو شكل كل منهما. كما أنه يتيح فرصاً أكبر لتوظيف عنصر المفاجأة، عند الانتقال من مشهد إلى آخر، عندما يكون هناك مبرر لذلك، كما أنّ توظيف القطع كوسيلة للانتقال، يساعد على تحكم أكبر في إيقاع الفيلم.
جـ- السينما الحديثة وتوظيف المزج والإظلام والظهور:
مع اتجاه السينما الحديثة إلى تفضيل وسيلة القطع في الانتقال، فإن توظيفها المحدود لوسائل المزج والإظلام والظهور، أصبح في معظمه لأسباب جمالية بالدرجة الأولى، ومن هذه الأسباب أن يكون الدافع وراء استخدام وسيلة المزج مثلاً، هو وجود تشكيلين متقاربين في تكوينهما العام، أو بينهما صلة ما، سواء بالتماثل أو التناقض، ويراد الإيحاء بنوع من التحول التدريجي المحسوس، من الشكل الأول إلى الشكل الثاني، مثل المزج من دخان يتصاعد من مدخنة أو إناء يغلى بالماء، إلى دخان يتصاعد من سيجارة شخصية ما، للإيحاء بمعنى معين يستمد من التماثل في تشكيل كل من اللقطتين، أو أن يتم المزج من وجه سيدة وهي تضحك في سعادة، إلى لقطة تبدأ بباقة من الزهور المتفتحة وهي تملأ الصورة، بحيث تبدأ في رؤية الزهور على وجه السيدة الضاحك، بينما تبدأ في الاختفاء؛ وذلك للإيحاء بمعنى رمزي يربط بين إشراقة ابتسامة السيدة وتفتح الزهور. . وهكذا.
وفي حالة الإظلام التدريجي المتعاقبين، فقد يتم استخدامها، مثلاً، بهدف إيجاد فاصل محسوس لإنهاء مرحلة مهمة متكاملة من السَّياق، ثم التأكيد على بداية المرحلة الجديدة، كما لو كانت تمثل النتائج المهمة، التي ستترتب على ما سبق مشاهدته ككل، أو قد يتم توظيف الإظلام والإظهار ببطء ملحوظ، بهدف إشعار المتفرج بمرور فترة زمنية طويلة جداً، ويعقبها تغيير ملحوظ في الأحداث والشخصيات، كما قد يتم استخدامها ببطء ملحوظ؛ بهـدف إيجاد نوع من البطء المحسوس في الإيقاع، أو إثارة إحساس بالتأمل والترقب.
2 - التكوين الجمالي، أو الدرامي، لوسيلة الانتقال:
يقصد بالتكوين الجمالي أو الدرامي لوسيلة الانتقال، أن يكون الانتقال مصمماً وفقاً لفكرة جيدة تنبع من سياق الفيلم، وترتبط عضوياً بطرفي الانتقال، كما تربط بينهما. فالانتقال من مشهد إلى آخر، أو من وحدة إلى أخرى، ينبغي أن يكون مبنياً على فكرة جمالية أو درامية، تربط بين
مضمون أو شكل اللقطة في نهاية مشهد، بمضمون أو شكل لقطات المشهد التالي، سواء أكان ذلك بالتماثل أم التناقض.
وعلى ذلك، فإن التفكير في شكل الانتقال يُعد مطلباً أساسياً، يؤثر على مستوى الفيلم ككل، فيجعل بناؤه يبدو متماسكاً، ومن ثم يرفع من قيمته الفنية والتأثيرية، وعلى العكس من ذلك فإن عدم الاهتمام بالتفكير في شكل الانتقال، قد يجعل البناء يبدو غير مترابط ومتعثر، أو تبدو أجزاؤه كما لو كانت مرصوصة، واحداً وراء الآخر.
وينبع التكوين الجمالي أو الدرامي لوسيلة الانتقال، من عدد من المداخل أو المبادئ الأساسية، التي يُسوى وفقاً لأي منها، أو بالجمع
بين اثنتين أو أكثر منهما، وأهم هذه الأفكار والمبادئ هي:
أ - الانتقال المبنى على التماثل (التشابه)، في الشكل أو في المضمون:
ويعني ذلك أن تكوين الانتقال يهدف إلى إيجاد تماثل أو تشابه ما، بين لقطة أو نهايتها (آخر المشهد) مع اللقطة التالية لها أو
بدايتها (أول المشهد التالي)، وذلك من خلال التشكيل في اللقطتين، أو المضمون، الذي تعنيه كل منهما، وذلك على الوجه التالي:
(1) التماثل (التشابه) في الشكل:
كأن يتم الانتقال بين شيئين يتماثلان أو يتشابهان في التكوين الشكلي، سواء كان ذلك متعلقا بتكوينات ثابتة أو بين تكوينات متحركة. ومن الأمثلة على
الانتقال بين تكوينات ثابتة: أن يربط الانتقال بين لقطتين، تنتهي كل منهما بشكل دائري، حيث تحتوي اللقطة الأولي على غلاف مصباح يأخذ شكلاً مستديراً تماماً، وتحتوي اللقطة الثانية على كرة قدم. أما في حالة الانتقال بالتماثل بين تكوينات متحركة، فمثال ذلك: أن يتم الانتقال من اللقطة الأولي، التي تحتوي على مرجيحة مثلاً، وهي تتأرجح بعرض الصورة، إلى اللقطة الثانية التي تحتوى على بندول ساعة حائط، أو أي حركة مماثلة، تأخذ الشكل الحركي نفسه.
(2) التماثل (التشابه) في المضمون:
يقصد بالتماثل في المضمون أن يكون تكوين الانتقال بين اللقطتين مبنياً على تشابه، بين ما تعنيه أو تتضمنه كل منهما، أو الصفة المميزة، التي ترتبط بمضمونها. وكمثال على هذا: ذلك المثَّال الشهير في فيلم ايزنشتين، عندما يتم الانتقال من لقطة العمال وهم يسقطون صرعى، إلى لقطة الثيران المذبوحة، أو مثل الانتقال من لقطة لعاشقين يتناجيان، إلى لقطة لطائرين في عشهما.
ب - الانتقال المبنى على التناقض (التباين)، في الشكل أو في المضمون:
ويعني ذلك أن تكوين الانتقال يكون مبنياً على وجود تناقض، أو تباين واضح، بين لقطتي الانتقال، سواء أكان ذلك في الشكل أم المضمون.
(1) التناقض في الشكل (ثابتاً أو متحركاً ):
كأن يتم الانتقال بين عنصرين يتناقضان في التكوين الشكلي لكل منهما، مثل الانتقال من لقطة لشخصية تتميز بجسم ممتلئ، إلى لقطة لشخصية يبدو عليها الهزال الشديد أو النحافة، أو الانتقال من شكل تغلب عليه الخطوط الدائرة، أو الانسيابية، إلى شكل تغلب عليه الخطوط المستقيمة أو الحادة، أو من لقطة يغلب عليها الأضواء الساطعة المتلألئة، إلى لقطة يسودها الظلام.
وفي حالة الانتقال بين عناصر متحركة بالتناقص، فإن هذا يتمثل في شكل الحركة أو اتجاهها داخل إطار الصورة، بصرف النظر عن ماهية العنصر المتحرك. فقد يتم الانتقال من شخص، مثلاً، وهو يتحرك في اتجاه الكاميرا، إلى خلفية سيارة وهي تتحرك مبتعدة عن ناحية الكاميرا إلى عمق المنظر، أو
الانتقال من عنصر ما يتحرك من أعلى الصورة متجهاً أسفلها، إلى عنصر آخر يتحرك من أسفل الصورة إلى أعلاها.. وهكذا .
(2) التنافض في المضمون:
يعني وجود تناقض في المضمون أو المعنى العام، بين كل من طرفي الانتقال، مثل الانتقال من مكان مزدحم بالناس، إلى مكان خال أو يكاد يكون خالياً، أو الانتقال من مكان تغلب عليه الفوضى، إلى مكان يتميز بالنظام الشديد. أو الانتقال من شخص على سرير بالمستشفي يعانى من المرض، إلى شخص يمارس
نوعاً من الرياضة العنيفة، أو بين شخصين أو أكثر يسود بينهما الحب والألفة، إلى أشخاص آخرين في حالة صراع أو قتال.
جـ- الانتقالات المبنية على الجمع بين التماثل والتناقض معا:
يعني ذلك أن يتم تكوين الانتقال بحيث يحمل تماثلاً في ناحية، وتناقضاً في ناحية أخرى، فتكون هناك تماثل في الشكل، مع تناقض في المضمون، أو عكس ذلك: تناقض في الشكل يوازيه تماثل في المضمون، وذلك على الوجه التالي:
(1) التماثل في الشكل، مع التناقض في المضمون:
وذلك مثل الانتقال من شخص يهم بركوب سيارته الخاصة، إلى آخر يهم بركوب سيارة الشّرطة لترحيله إلى السجن، أو من شخص يثبت سوار من الماس حول معصم زوجته، إلى القيد الحديدي وهو يوضع حول معصم أحد المسجونين، أو من شخص يهم بخلع معطفه، وهو يخطو داخل مكان لحفل باذخ، إلى شخص وهو يخلع معطفه لتسليمه لصاحب محل رهونات، أو الانتقال من عائلة ثرية وهي تتناول طعامها على مائدة مليئة بالعديد من الأصناف، إلى عائلة فقيرة وهي تشترك جميعها في الأكل من إناء واحد.
(2) التناقض في الشكل مع التماثل في المضمون:
وذلك مثل الانتقال من شخص يبكى فرحاً، إلى شخص يعبر عن فرحته بضحكة أو ضحكات متوالية، أو مثل الانتقال من أم تعاقب ابنها عن طريق لومه بالكلمات، إلى أم تعاقب ابنها بضربات شديدة متوالية .. وهكذا.
د - الانتقال عن طريق الكلمة أو العبارة:
وذلك بأن يكون تصميم الانتقال مبنياً، على التفكير في كلمة أو عبارة، تجيء في نهاية مشهد ما، مع ما يليها في المشهد التالي، سواء جاءت الكلمة أو العبارة مكتوبة (أي مقروءة بواسطة المشاهد) أو مسموعة من خلال الحوار، وذلك على النحو التالي:
(1) الانتقال عن طريق الكلمة المكتوبة:
بمعنى أن تكون الكلمة أو العبارة تشير إلى مكان ما، أو شخص ما، ثم يتم الانتقال إلى المكان أو الشخص المقصود، أو أن تكون الكلمة أو العبارة هي بداية لرسالة ما، ثم يُنتقل منها مباشرة إلى الرسالة، وهي مكتوبة بكاملها في يد المرسل إليه.
(2) الانتقال عن طريق الكلمة المسموعة:
بمعنى أن تكون الكلمة أو العبارة تشير إلى اسم مكان، أو شخص، ثم يُنتقل إلى المكان أو الشخص، أو تجئ الكلمة أو العبارة كتساؤل في نهاية مشهد، يتم الرد
عليه بعبارة مناسبة في بداية المشهد التالي. أو أن تكون العبارة في بداية سرد من إحدى الشخصيات، لشيء تم حدوثه في الماضي، ثم يستمر صوت الشخصية وهو يكمل السرد مع صورة المشهد التالي، التي تمثل الحدث، أو أن تكون العبارة بمثابة أمر من شخص إلى شخص آخر، للقيام بمهمة معينة، ثم يسترسل الصوت على المشهد التالي حيث نرى بداية لتنفيذ المهمة، بينما صوت المتحدث من المشهد السابق يلازم الصورة.
(3) الانتقال المبني على الجمع بين الكلمة المكتوبة والمسموعة معا:
بمعنى أن يتم الانتقال من كلمة أو عبارة مكتوبة، إلى جملة أو حديث يأتي كتعليق أورد فعل لها، أو العكس، ومثال ذلك، عندما يتم التركيز على عنوان في جريدة ورد في العنوان يمثل معناً، ثم الانتقال إلى شخصية وهي تحادث أخرى بخصوص ما ورد في العنوان، أو أن يتم الانتقال من جملة حوارية، تتساءل عن شئ ما، إلى كلمات مكتوبة ترد على هذا التساؤل، مثال ذلك: إذا سأل شخص آخر هل ينوى ترشيح نفسه في الانتخابات؟ وقبل أن نسمع الرد يأتي الانتقال إلى لافتة قد كتب عليها ما يُعيد الشخص ترشيح نفسه.
(4) الانتقالات الصوتية:
ويقصد بها الانتقال المبنى على التفكير في الصفات المجردة للعنصر الصوتي، من حيث نوعه أو درجة ارتفاعه أو طبيعته (المزاج النفسي)، وذلك على
الوجه الآتي:
الانتقال المبني على نوع الصوت:
ويقصد به الانتقال الذي يبنى على نوع الصوت، من حيث كونه حاداً أو غليظاً، كأن يتم الانتقال بين صوتين حادين، أو بين صوتين غليظين، أو أن يكون الانتقال من خلال الجمع بين الصوت الحاد والصوت الغليظ، بحيث يكون كل منهما على أحد طرفي انتقال. الانتقال المبني على درجة ارتفاع الصوت:
بمعنى أن يكون انتقال مؤسساً على التفكير في درجة ارتفاع الصوت، على كل من طرفي الانتقال، من حيث كونه مرتفعاً أو منخفضاً، وذلك مثلما يتم الانتقال بين صوتين مرتفعين، أو صوتين منخفضين، أو يجمع الانتقال بين الصوت المرتفع على جانب، والصوت المنخفض على الجانب الآخر.
الانتقال المبني على طبيعة الصوت (المزاج النفسي):
بمعنى أن يكون الانتقال مؤسساً على التفكير، فيما يوحي به الصوت من مشاعر مختلفة، كأن يتم الانتقال من صوت له طابع الحزن، إلى صوت له الطابع نفسه، أو من صوت له طابع المرح، إلى صوت له طابع مماثل، أو يتم الجمع بين النقيضين على طرفي الانتقال.
هـ- الانتقالات المبنية على الإيجاز (بالحذف أو الإخفاء):
ويقصد بها أي انتقال بين مشهدين، يحذف أو يخفي واقعة ما أو حدث، نفهم أنه قد حدث بين المشهدين دون رؤيته،وذلك طبقاً لما تم شرحه عند الكلام عن الإيجاز. وواقع الأمر أن كلاً من أشكال الانتقالات التي سبق ذكرها، يمكن أن تتضمن، بجانب صفتها الرئيسية، نوعاً من الإيجاز.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق